أخر الاخبار
نشرت في: الاثنين، 29 أبريل 2013 8:00 م
نشرت بواسطت ©بلقيس نيوز

رأس الفتنة وجسدها..!!




عبدالله السويجي




رأس الفتنة وجسدها


بقلم / عبدالله  السويجي -دار الخليج 
“الفتنة أشد من القتل”، وخطورتها أنها تأخذ الطابع المذهبي الديني، رغم أنها تتكئ على السياسي ومقولات التغيير، ومن لا يستشعر الحرب الطائفية في العراق يكون كمن يدفن رأسه في الرمال، ومن لا يراها في سوريا يكون صاحب وجهين، ومن لا يراها في لبنان يكون على حافة العمى . حرب مذهبية طائفية بامتياز تدور رحاها في العراق وسوريا ويحاولون جرّ لبنان إليها، وإذا أردنا الحقيقة فإنها تدور أيضاً بطريقة أو بأخرى في مصر، حيث الدين يسيّر الأمور ويضعها ضمن خانات، وما المواجهات بين الأطراف المتصارعة سوى بين رجال ينتمون إلى حزب ديني وجهات تنتمي إلى أحزاب مدنية .

وعلى الرغم من أن الفارق بين الديني والمدني بسيط جداً، فإن الجهات المتصارعة تجعل الفارق شاسعاً وأشبه بالهوة الكبيرة، وكذلك الأمر في تونس، حيث التيار السلفي يسن أسنانه ويحشد قواه لكسب المعركة على الأرض، وبذاك، تكون الفتنة قد ارتدت ثوبها الناري وحملت أسلحتها السود وغادرت أسوارها نحو الحارات والمدن، والهدف المعلن هو التغيير ومحاربة الاستبداد، بينما الهدف غير المعلن هو إقامة ما يسمى “دولة الخلافة الإسلامية”، ولهذا، فإن التنسيق واضح وعلى أشده، فمحاربون من المغرب العربي والشيشان وأوروبا وأفغانستان وباكستان يذهبون إلى سوريا (للجهاد)، مدفوعين بفتاوى خطرة جداً لامست التلاعب بالأعراض والشرف والاتجار بالنساء، هذه حقيقة لا يمكن نكرانها ولا التغاضي عنها ولا ذكرها برموز وضبابية، فمن تصريح لمفتي تونس إلى آخر من هنا وهناك تكون الحالة قد ثَبَتت، وتكون الدهشة قد ارتسمت على وجوه الناس، غير مصدقين ما يقال ويمارس .

كيف سيكون المشهد لو اندلعت حرب في العراق كالتي في سوريا؟ وكيف سيكون المشهد لو استطاع الداعون إلى “الجهاد” في لبنان النجاح في جرّ هذا البلد الصغير الفقير إلى حرب كالتي تدور رحاها في سوريا؟ هل سيلجأ العراقيون من جديد إلى الأردن، والأردن قد امتلأ بالنازحين السوريين؟ وإلى أين سيلجأ اللبنانيون هرباً من القتال؟ لن يكون أمامهم سوى البحر، وعلى الشاطئ الآخر دول أجنبية لن تقيم المخيمات، بل إن منظمة الأمم المتحدة لن تتمكن من استيعاب اللاجئين، ولذلك، سيفضل المواطنون البقاء، وفي هذه الحالة سيكونون أمام خيار وحيد، هو إما أن يكونوا قاتلين وإما مقتولين . هذا من الناحية الإنسانية، أما من الناحية السياسية فلن تكون هناك دول ذات سيادة، وسيتحقق التقسيم الذي يطل أيضاً كالفتنة، برأس يتحفّز إلى الانقضاض والانشقاق، والتقسيم عملية مبهجة للكيان الصهيوني، إذ لن يكون في مواجهة أحد (وإن كانت الجبهات صامتة منذ عشرات السنين)، بل سيكون في مواجهة دويلات وإمارات وحارات يسيطر عليها المسلحون الذين سينشغلون في قتال بعضهم بعضاً حتى ينهي طرف الآخر بالقتل أو بالحرق أو ب(السبي)، ومن جهة أخرى، سيحقق التقسيم رغبة راودت صناع القرار في الغرب، وستتحقق (خريطة الدم) التي تعتمد على العِرْق والمذهب والدين، وسنجد دويلات سنية وشيعية ودرزية ومسيحية وغيرها، وبهذا، يكون الكيان الصهيوني قد ضمن بقاءه وتفوقه لعشرات السنين، وسيكون الجميع تحت إمرته .

أما الحل الآخر، وبما أن كل طرف من الأطراف المتقاتلة، وكل مذهب وصاحب طريقة ينتمي إلى دولة خارج المثلث، فإن هذه الدول قد تدخل في حرب حقيقية في ما بينها، وتتخلى عن القتال بالإنابة أو دعم المجموعات الحليفة، وبما أن كل دولة من هذه الدول مرتبطة استراتيجياً مع دول عظمى، فإن حربا كونية ثالثة ستكون على الأبواب، ونتيجتها ستكون شبيهة بنتيجة أختها الحرب العالمية الأولى، حيث ستعود المنطقة تحت حكم دول أجنبية، أو تحت الانتداب من جديد، وربما تحدث معجزة، فيتوحد العرب استباقاً لهذه النتيجة الكارثية، وينفضون عنهم الفتنة المذهبية والطائفية والدينية، ويتصرفون بحكمة ووطنية، وهذا الأمر مستبعد في ظل وجود مجموعات لا تعترف بالقوميات أو بحدود الدول الراهنة، وإنما بالأخوة الدينية، أي بالخلافة، وعندها ستبقى المنطقة تغلي في أتون النار والدم، ولن ينقذها سوى الإنهاك .

أرى أن على جامعة الدول العربية أن تغير من قواعد اللعبة وتحاول قراءة المستقبل، فممارساتها وتحالفاتها الحالية أوصلت أتباع الجماعات المتشددة إلى الحكم، ومكنتهم من إيجاد موطئ قدم لهم يمارسون فيه شعائرهم وقوانينهم ويهددون ويتوعدون كل من يختلف معهم، فهل تهدف جامعة الدول العربية إلى بث الفوضى وتمكين الجماعات المتشددة من الحكم في بلاد الشام والمغرب العربي؟ لم نقرأ في ميثاقها شيئاً يشبه هذا، وكل ما قرأناه أن ميثاق الجامعة يستند إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء .

كما على منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن العمل وبشكل سريع على وقف العنف في الدول التي تشهد الموت اليومي، والتوقف عن الرهان على الحسم العسكري، وتجنب اتخاذ موقف المتفرج . وعلى الدول العظمى، أصحاب الفيتو في مجلس الأمن، أن تتوقف أيضاً عن (التسلّي) بفيلم أصبح مموجاً وسخيفاً ومكروراً، وموقفهم الداعي إلى حل سياسي، في الوقت الذي يغضون الطرف عن نقل الأسلحة الفتاكة إلى المتقاتلين، هو موقف انتهازي وغامض ومشبوه . أما الدول الأخرى الفردية التي تتباكى على الحرية والديمقراطية وتدعم حق العيش الكريم، وتقوم بدعم جهة ضد أخرى، وهي عارفة بموازين القوى، فهي دول تخفي نوايا تتناقض مع السيادة والديمقراطية والحرية، وتسعى إلى تحقيق طموحات عفا الدهر عليها .

وتبقى المسألة في يد المتقاتلين الذاهبين إلى الموت والدمار والفوضى وفق مبادئ مطاطة، أن يفكروا بما تبقّى من أرض خضراء، وحارات لم تهدم، ومدن لم يتشرد سكانها، وأن ينظروا قليلاً إلى المشهد عن بعد، وللمشهد القادم، بعيداً من التعصب والتطرف والأحلام التي لن يسمح لها أحد أن تتحقق، والذي يدعمهم الآن، سينقلب عليهم في المستقبل بطائرات من دون طيارين، وبصواريخ موجهة عن بعد .

رأس الفتنة بأيديكم، إما أن تصمّموا له جسداً لينطلق راكضاً نحو المجهول، وإما أن تعيدوه إلى جحره وتقفلوا عليه سبعة أقفال . . الحل بين ظهرانيكم، وإلا ستكتب الخسارة للجميع، وستكون هزيمة ماحقة .

0 التعليقات for " رأس الفتنة وجسدها..!! "

اترك الرد

اضف تعليقك او رأيك على ما نشر أعلاة :



اتصل بنا وراسلنا بالاخبار والاقتراحات والانتقادات فنحن دوماً في خدمتكم

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أخر أخبار بلقيس

Google