أخر الاخبار
نشرت في: الثلاثاء، 15 أبريل 2014 2:06 ص
نشرت بواسطت ©بلقيس نيوز

هل نستحق شرف الانتماء لوطن بحجم (اليمن)؟!


الدكتور / عبد الرحمن احمد ناجي فرحان




هل نستحق شرف الانتماء لوطن بحجم (اليمن)؟!


الثلاثاء ، 15- ابريل - 2014

بقلم / 
د/عبدالرحمن أحمد ناجي 

بأمانة مطلقة أمام الله وحده ، لو كان متاحاً لك أن تختار جنسية دولة أخرى غير (اليمن) فما هي تلك الجنسية التي تتمنى الحصول عليها؟؟ ، التساؤل يعبر عن حالة افتراضية أو اطلاق للأمنيات والأحلام ، فهل لك أن تتخيل عزيزي القارئ كـ(يمني) إذا أتاح لك القدراختيار جنسية البلد الذي تتمنى أن تنتمي إليه ، فما هو ذلك البلد الذي ستختارالانتماء إليه بكامل إرادتك ، وستكون على اتم الاستعداد والجاهزية لتلبية واجبك نحوه حتى بالتضحية بروحك عن طيب خاطر إن تطلب الأمر ذلك فداءً له ودفاعاً عنه ؟! ـ

هذا التساؤل طرحته على طلابي – ذكوراً وإناثاً – في النظامين العام والموازي بكلية التجارة والاقتصاد – جامعة صنعاء في كل فصل دراسي منذ العام 2008م حتى العام الحالي 2014م . عند قيامهم بتسجيل بياناتهم وتوقيعاتهم في قوائم الحضور ، والفئة المستهدفة بالتساؤل هم جيل (اليمن) القادم ، وهم في أهم وأخطر مراحل حياتهم ، وقبل أن يلجوا معترك الحياة ويكابدون آلامها ، وهؤلاء هم من سيحملون مستقبلاً على أكتافهم أمانة ومسئولية النهوض بهذا الوطن .ـ

وجاءتني النتيجة بالغة الإيلام والدلالة ، إذ بلغت نسبة من يتمنى الحصول على جنسية أخرى والانتماء لوطن آخر غير(اليمن) 90٪ تقريباً ممن وجهت لهم ذلك التساؤل ، أي أن نسبة من يفضل الجنسية اليمنية على أي جنسية أخرى في العالم مهما كان حجم المغريات لا تزيد عن 10٪ ، وتنوعت الأمنيات بين الحصول على الجنسية الأمريكية والبريطانية ، والإماراتية والسعودية (لوجود الحرمين الشريفين) والفلسطينية ، ولعل أغرب الردود التي وصلتني على الإطلاق هي رغبة بعض أبنائي الطلاب الجامعيين بالحصول على الجنسية الإسرائيلية !!! وهي بفضل الله نسبة محدودة للغاية .ـ

ناقشت هذه النتيجة مع طلابي في المحاضرات التالية ، مبدياً دهشتي وتعجبي متسائلاً : لماذا؟ ... هل جاءت تلك النتيجة الصادمة بسبب للوضع الاقتصادي المتردي الذي نعيشه؟! ، إن كان الأمر كذلك فهناك ملايين البشر في الكثير من بقاع الأرض يكابدون أشد أنواع الفقر للدرجة التي يبيع فيها بعضهم أبناءهم فلذات أكبادهم للحصول على قوتهم اليومي ، وما تمنى أولئك الحصول على جنسية بلدان أخرى غير بلدانهم الأصلية ، كما أنه لم يُنكر أشدهم فقراً وعوزاً انتمائهم لمواطنهم أو طالبوا بالانفصال عنها ليستقلوا بالمواضع الجغرافية التي يعيشون فيها لعل حياتهم تصبح أفضل .ـ

أم أن تلك النسبة ناتجة عن استشراء الفساد وتغلغله في كل مفاصل الدولة اليمنية ، فإن كان الأمر كذلك فلنستعرض معاً في أذهاننا خريطة العالم ، ولتدلوني على موضع مثالي 100٪ في أي دولة من دول العالم ، لنهاجر إليه سوياً ولنستمتع فيه جميعاً برغد العيش ودون منغصات ، فالأمور نسبية في كل شبر من الكرة الأرضية ، وإن احتج البعض بأن الأمور في بلادنا فاقت كل ما يجري في الكون ، فيا ترى من سيصلح حال هذا البلد إن لم يكن لدى أبناءه أي أمل أو رغبة أو استعداد لذلك ؟ ، هل نأتي بأيادي أجنبية لتصلح ما نراه من تشوهات أو أمور لا نرضى عنها ؟ .ـ

كان من بين الأسئلة التي طرحتها عليهم : من منكم زار سد مأرب ؟ ، وقد فوجئت بأن عدداً محدوداً جداً منهم قام بزيارته ، فتمنيت عليهم أن يقوموا بزيارته ؛ لعلهم إن فعلوا شعروا بالفخر والاعتزاز لانتمائهم لهذا البلد العظيم . لأنني حينما فعلت ذلك قبل سنوات أحسست بهامتي تطاول السماء وأنا التفت يميناً لأشاهد الصدف الأيمن ثم يساراً لألمح الصدف الأيسر في موقع السد القديم ، ذلك السد الذي بناه أجدادنا في أبعد نقطتين بين جبلين في تلك البقعة من مأرب ليستوعب ملايين المترات المكعبة من مياه السيول ، وبوسائل بدائية عتيقة ، وفي شكل جدار ضخم من الأحجار العملاقة والتي تم نحتها وتسويتها ليتخذ أحدها شكلاً والآخر شكلاً آخر فيما يعرف بالحجر الذكر والحجر الأنثى .ـ

وقد تملكتني الرهبة وأحسست بالقشعريرة تسري في سائر بدني حينما عبرت بنا السيارة الطريق متجاوزةً الصدفين متجهةً صوب السد الجديد ؛ ففي تلك اللحظة تخيلت أن ما تبقى من ذلك الطريق الإسفلتي احتوت يوماً ما جسم سد مأرب العظيم ، وأن البقعة التي نجتازها حينئذٍ كانت مغمورةً بالمياه ، وبدأ السد الحالي يظهر في الأفق ، هذا السد الذي اختارت الشركة التركية المنفذة موقعه الجديد في أضيق نقطتين بين جبلين في تلك المنطقة ، واعتمدت التصميم الهرمي ، رغم إمكانياتها الحديثة وتقنياتها المتطورة من روافع ومقصات أحجار وناقلات عملاقة مقارنةً بما كان متاحاً لأجدادنا القدماء من إمكانيات بالغة التواضع ظلت آثارها شاهداً حياً حتى اليوم على عبقرية وتفرد عقلية الإنسان اليمني .ـ

وهنا يحضرني حوار دار في أحد الأفلام المصرية بين نجم سينمائي مشهور كبير بالسن – ظهر بشخصيته الحقيقية – وبطل الفيلم الذي يؤدي دور شاب متمرد متذمر لا يرى في وطنه ما يشجعه على البقاء فيه أو الانتماء إليه ، وكان سؤاله للنجم الكبير: شخصية فنية مرموقة مثلك ، وهبك الله من المال ما يجعلك قادراً على العيش برفاهية في أروع مكان في العالم ، فما الذي يجبرك على العيش هنا في مصر؟ ، فباغته الممثل الكبير بسؤال استفزازي ثارت معه الدماء في عروق ذلك الشاب :ـ(هل أمك جميلة؟!) ، فرد غاضباً :ـ(وما دخل أمي فيما نتحدث فيه؟!) ، ليجد الرد الأكثر روعة:ـ

كل كائن حي يحب أمه كل الحب ويحترمها و يُجِلَّها بأقصى درجات الحُب والاحترام والإجلال ولا يتمنى أمٌ سواها (مهما كان جمال الأم البديلة أو بلغت ثروتها)، ليس لأن أمه أجمل نساء الكون أو أكثرهن مالاً ؛ بل لأنها باختصار شديد (أُمُه) التي أنجبته ، حتى لو لم يكن قد وهبها الله مسحة من الجمال ، وكذلك الوطن نحبه ونعشقه ونتفانى من أجل رفعته ورُقيَّه وتقدمه ، ونأبى أن يدنسه أجنبي كائناً من كان ، ونبذل أرواحنا رخيصة فداءً له للذود عنه ، ليس ادعاءً منا بأنه أجمل وأفضل وأغنى وطن في الأرض ، بل لأنه باختصار شديد (وطننا) ، وكما أن الكائن الحي لا يختار أمه فهو أيضاً لا يختار وطنه ، وللحديث بقية بإذن الله حول هذا الموضوع بالغ الأهمية في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم . 

0 التعليقات for " هل نستحق شرف الانتماء لوطن بحجم (اليمن)؟! "

اترك الرد

اضف تعليقك او رأيك على ما نشر أعلاة :



اتصل بنا وراسلنا بالاخبار والاقتراحات والانتقادات فنحن دوماً في خدمتكم

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

أخر أخبار بلقيس

Google